أزمة طلاب الطب.. هل تتجه نحو تداعيات قانونية واجتماعية معقدة؟

 نحو "سنة بيضاء" تفرض نفسها كواقع لا يرتفع، تستمر أزمة طلاب الطب والصيدلة في التفاقم، خاصة بعد تثمين اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة بالمغرب لنجاح مقاطعة الدورة الرابعة للامتحانات، التي برمجت في منتصف الأسبوع بجميع كليات الطب العمومية.

وفي طلب أطلعت عليه صحيفة مجرة سيت الإلكترونية، استناداً إلى المادة 152 من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي تعطي الحق للنواب في تناول الكلمة، دعت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية إلى تناول الكلمة في نهاية الجلسة الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفهية المبرمجة يوم الاثنين فاتح يوليوز، للتحدث في موضوع "إنقاذ السنة الجامعية بكليات الطب والصيدلة"، مشيرة إلى أنه موضوع عام وطارئ ويستلزم إلقاء الضوء وإخبار الرأي العام الوطني بمستجداته.

وعلى الرغم من مبادرة الحكومة إلى إعلان "مستجدات جديدة تهم التكوين الطبي وتنظيم التداريب"، فإن لجنة الطلبة أعلنت نجاح مقاطعتهم بنسبة تجاوزت 90 في المائة، مرحبة في بيانها بمبادرات الوساطة الصادقة التي تهدف إلى حل الأزمة والاستجابة لمطالب الطلبة الأطباء. كما دعت الحكومة، وعبرها وزارتي التعليم العالي والصحة والحماية الاجتماعية، إلى التجاوب الإيجابي مع مطالب الطلبة والتعجيل بحل الأزمة عبر الحوار الجاد والمسؤول، تفادياً لسنة بيضاء.

بينما جدد البيان التاسع للجنة، الذي توصلت به هسبريس، استعدادها للحوار لإيجاد حلول ملموسة تهدف إلى تحسين جودة التكوين الطبي والصيدلي العمومي، فإن السيناريوهات المحتملة والتداعيات القانونية والتربوية قد تزيد من تعقيد الملف، خاصة مع أصوات تطالب باستقالة وزير التعليم العالي بعد فشل الحلول المقترحة.

مسارات قانونية


محمد ألمو، المحامي بهيئة الرباط والخبير القانوني، أوضح أن "السنة البيضاء لم تعد مجرد احتمال كما كانت في بداية الأزمة، بل أصبحت واقعًا لا مفر منه". وأكد أن "أي حلول ترقيعية استعجالية ستكون مخالفة للضرورة البيداغوجية بسبب حساسية التكوين الطبي في المغرب".

وأشار ألمو في تصريحات لجريدة هسبريس إلى أن الأزمة الحالية ليست فقط إشكالية أكاديمية، بل هي قضية صحية واجتماعية تمس الأمن الصحي للمواطنين، مما يستدعي إعداد موارد بشرية تساهم في تعزيز منظومة الإصلاح الصحي المنشودة من قبل الحكومة.

كما اعتبر المحامي أن استمرار مقاطعة امتحانات نهاية السنة يشكل خطراً على الزمن الجامعي والدراسي، وأن عدم احتساب هذه السنة من مسار تكوين الأطباء قد يؤدي إلى الإضرار بالمصلحة العامة وصحة المواطنين في هذا القطاع الحيوي. وشدد على أن الحل الوحيد الممكن هو إعادة السنة ومحاولة الحكومة تهدئة الأوضاع بدلاً من استمرار الاحتقان، محملاً الحكومة المسؤولية الكاملة لعدم احتواء الاحتجاجات.

وأوضح الخبير القانوني أن الوضع يستدعي قراراً إدارياً من الجهات المختصة بتدبير كليات الطب والصيدلة، مع مراعاة مصلحة الطلاب والرهانات المجتمعية والمسؤولية عن الأمن الصحي. وأشار إلى أن مخالفة المسار البيداغوجي ليس خياراً متاحاً.

وختم ألمو بأن "المسار القانوني المحتمل هو حق كل مواطن في مساءلة القرارات الحكومية قانونياً أمام القضاء الإداري المختص، في حال قررت الحكومة تخريج فوج من الأطباء والطبيبات بنقص في التكوين". وأكد أن القانون يكفل للطلبة المتضررين إمكانية رفع دعوى تعويض ضد السلطة المسؤولة عن تدبير المرافق العامة في مجال التكوين الصحي.

 ثمن مجتمعي باهظ


أكد الحسين زاهدي، خبير في السياسات التربوية العمومية، أن "تكوين الأطباء والطبيبات ودكاترة الصيدلة يندرج ضمن هندسة بيداغوجية تهدف إلى إعداد الأطر العليا الصحية في قطاع حيوي وحساس، نعاني فيه أصلاً من نقص الأطر وهجرة كفاءات طبية بأرقام مخيفة سنوياً".

وأوضح زاهدي في تصريح لهسبريس أن "استمرار أزمة طلاب الطب دون حل فعلي يرضي الطرفين سيؤدي إلى تعميق الهشاشة الاجتماعية في الخدمات الصحية المكفولة دستورياً وقانونياً لعموم المغاربة".

 تأثير تربوي


من زاوية تربوية، أشار زاهدي إلى أن "التأثير واضح على الكفاءة المهنية لأفواج الطلبة الأطباء الذين عانوا من الهزات وتوالي توترات كليات الطب وأزماتها، على الأقل مرتين في حكومة العثماني ثم في عهد الحكومة الحالية التي أكدت الرهان على الإطار الصحي الوطني المكون محلياً لرفع رهانات الإصلاح".

وأضاف زاهدي أن "جودة التكوين الطبي، أكاديمياً وميدانياً، تعرضت لاختبار كبير خلال الأزمة الراهنة لتقليص سنوات التكوين"، متوقعاً أن يترك ذلك أثراً سلبياً في نفوس ومسارات خريجي هذه الأفواج، مع استحضار النقص والنزيف الحاد في أطر الطب.

 تدبير الأزمة


قدّر زاهدي أن "الوضعية الحالية تُعقّد الأزمة وتظهر تدبيراً غير موفق"، مفسراً أن "ثمن الاحتقان باهظ جداً مجتمعياً وليس فقط قطاعياً أو فئوياً، خاصة في قطاع لا يحتمل تراكم الأزمات؛ مما يجعل بعض الطلبة ينتهي مسارهم الدراسي". وحذر في هذا السياق من أن "الأسرة والمجتمع هما أكبر الخاسرين".